عبد الفتاح القصرى: نجم الكوميديا المأساوي الذي أضحك الملايين وبكى في صمت

احمد العربى
المؤلف احمد العربى
تاريخ النشر
آخر تحديث


   



  

عبد الفتاح القصرى: نجم الكوميديا المأساوي الذي أضحك الملايين وبكى في صمت

تعرف على قصة حياة عبد الفتاح القصرى، أحد أعمدة الكوميديا المصرية، من النشأة بحي الجمالية وحتى نهايته المأساوية، في مقال معلوماتي شامل ومؤثر.


🟢 نشأة عبد الفتاح القصرى وجذور عائلته

وُلد عبد الفتاح القصرى في حي الجمالية بالقاهرة لعائلة بسيطة، حيث كان والده يعمل في مجال زخرفة الذهب ويمتلك محلاً خاصًا في منطقة الصاغة، قرب المنزل العائلي.

وتشير رواية الكاتب خيري شلبي في مجلة الإذاعة والتليفزيون بتاريخ 22 نوفمبر 1997، إلى أن أصول عائلة القصرى تمتد إلى العصر الفاطمي، حيث كان يُطلق لقب "القصرى" على من يعملون في قصور الحكام والأمراء. وبذلك كان اللقب مرتبطًا بالمهنة، تمامًا كما هو الحال مع ألقاب مثل "الطرابيشي" و"الترزي" و"الحداد".

وفي المقابل، توجد رواية أخرى تفيد بأن أصل العائلة يعود إلى صعيد مصر، وتحديدًا من مدينة الأقصر، حيث تحوّل لقب العائلة من "الأقصري" إلى "القصرى" مع مرور الوقت تخفيفًا كما هو معتاد في اللهجة المصرية.

اللافت أن الفنان عبد الفتاح القصرى نفسه لم يتحدث علنًا عن أصوله العائلية أو أي جذور غير قاهرية، ما ترك الغموض يكتنف هذه الجزئية من حياته.


🔵 تاريخ ميلاد القصرى بين الشك واليقين

تتضارب المصادر حول تاريخ ميلاد عبد الفتاح القصرى. بينما تُجمع أغلبها على عام 1906، ذكر الكاتب جاك باسكال في "الدليل السينمائي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا" أنه وُلد بين عامي 1905 و1906.

لكن بعض الحقائق التاريخية تؤكد أن ميلاده كان في وقتٍ أسبق. فقد ذكر الأديب صالح جودت في مجلة الكواكب بتاريخ 3 نوفمبر 1953 أن أول فرقة عمل بها القصرى كانت فرقة المحامي عبد الرحمن رشدي، وهو ما أكده القصرى نفسه لاحقًا.

بل وأشار إلى أنه كان يحضر عروض فرق مسرحية قبل احترافه الفن، منها فرقة فوزي الجزايرلي، وهناك استمع لصبي صغير يُغني أغنية "أنا صوتي كمنجة وأحب المنجة"، ولم يكن هذا الصبي سوى الموسيقار محمد عبد الوهاب.




🟡 التحول الكبير مع نجيب الريحاني

كانت النقلة الحقيقية في مسيرة عبد الفتاح القصرى الفنية حين انضم إلى فرقة نجيب الريحاني. فقد شجعه الريحاني على ترك مهنة الذهب والتفرغ للفن، ومنحه راتبًا ثابتًا مكّنه من الاستقرار.

كما اكتشف الريحاني شخصية "المعلم ابن البلد"، التي صنعت شهرة القصرى حتى اليوم، وتكررت في أعماله المسرحية والسينمائية، لتُصبح أيقونة للكوميديا المصرية.

بعد وفاة الريحاني عام 1949، حاول القصرى الاستمرار مع بديع خيري، لكنه لم ينسجم معه، لينتقل لاحقًا إلى فرقة إسماعيل ياسين عام 1954، ويستمر بها حتى لحظة انهياره على المسرح.


🔴 مأساة فقدان البصر وبداية النهاية

في صيف 1962، وأثناء أداء أحد مشاهده المسرحية مع إسماعيل ياسين، شعر القصرى فجأة بأن الدنيا أظلمت أمامه، فاقدًا بصره بشكل مفاجئ. وبينما ظن الجمهور أن ذلك جزء من العرض، كان القصرى يصرخ: "مش شايف يا ناس!".

تم نقله إلى المستشفى، وتبين أن السبب هو ارتفاع حاد في نسبة السكر في الدم، ما أدى إلى إصابته بالعمى المؤقت.

عاد إليه بعض البصر بعد ثلاثة أشهر، لكن مأساة جديدة كانت بانتظاره. فقد أجبرته زوجته الشابة على تطليقها، وتزوجت بعدها من صبى البقال الذي كان القصرى يرعاه منذ 15 عامًا، بل وأقام الزوجان في شقته أمام عينيه، بعد أن دخل في حالة هذيان وفقدان للذاكرة.


نهاية حزينة... مأساة فنان أسعد الملايين

في مشهد مؤلم، نشرت صحيفة الجمهورية عام 1963 صورة للقصرى وهو ممسك بأسياخ حديد نافذة شقته في شارع النزهة، يطلب من المارة سيجارة، بينما يسخر منه الصبية ويبكي الكبار الذين ضحكوا معه يومًا.

في الوقت الذي تخلى عنه معظم أصدقائه، كانت الفنانة نجوى سالم وفية له، ورافقت مأساة أيامه الأخيرة بكل تفصيلها. وساعدت الفنانة مارى منيب في إدخاله مستشفى الدمرداش، وحصلت على شقة له من محافظ القاهرة آنذاك، صلاح الدسوقي.

كما نظمت الفنانة هند رستم حملة تبرعات لعلاجه، وشارك فيها كبار الفنانين مثل عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، شادية، مريم فخر الدين، وأحمد مظهر.

لكن هذا لم يكن كافيًا. فقد استمر القصرى في المعاناة، حتى توفي في مستشفى المنيرة يوم الأحد 8 مارس 1964. لم يحضر جنازته سوى شقيقته "بهية"، ونجوى سالم، وصديقان من الحي، بالإضافة إلى حلاق وترزي تصادف وجودهم في الطريق إلى المقبرة.

ولم تنته القصة عند هذا الحد؛ ففي عام 1971، طالبت مصلحة الضرائب شقيقته بمبلغ 1482 جنيهًا و220 مليمًا كضرائب متأخرة عليه!


رحل عبد الفتاح القصرى... وترك إرثًا من الضحك والدموع

غاب عنا القصرى بجسده، لكنه ظل حاضرًا في وجدان الملايين. فنان أخلص لفنه ولم يجمع الثروات، لكنه رسم البسمة على وجوه أجيال. مات وحيدًا وفقيرًا، لكنه محفور في ذاكرة المصريين كرمز خالد للكوميديا والبساطة والطيبة.

تعليقات

عدد التعليقات : 0