محمود المليجي: الوجه الشريرفى السينما المصرية

احمد العربى
المؤلف احمد العربى
تاريخ النشر
آخر تحديث
ممثل مصرى اسمة محمود المليجى



مقدمة

عرف باسم شرير الشاشة المصرية؛ لكثرة تقديم أدوار الشر في أعماله، ومع ذلك كان بارعا في تقديم أدوار الخير والطبيب النفسي، كما أدى أيضا أدوارا فكاهية (كوميدية). كان المليجي عضوا في الرابطة القومية للتمثيل، ثم عضوا في الفرقة القومية للتمثيل. وحصل على جوائز كثيرة منها «وسام العلوم والفنون» عام 1946، و«وسام الأرز» من لبنان عن مجمل أعماله الفنية في العام نفسه. وقد كرمته الدولة المصرية تقديرا لجهوده ولدوره البارز في مجال الفن، فحصل على جوائز عدة، منها «الميدالية الذهبية للرواد الأوائل»، وجائزة «الدولة التشجيعية في التمثيل» عام 1972، و«شهادة تقدير» في عيد الفن عام 1977. كما عين عضوا في مجلس الشورى؛ وذلك في عام 1980.


في هذه المقالة، سنتناول مسيرة أحد أهم الوجوه السينمائية في تاريخ الفن المصري، الفنان محمود المليجي الذي استطاع بأدائه المتقن وملامحه المميزة أن يحفر اسمه بأحرف من ذهب في سجل الفن العربي، وأن يترك بصمة لا تمحى في ذاكرة المشاهدين عبر الأجيال.

البدايات والنشأة

ممثل مصري ولد في عام 1910 بحي المغربلين في القاهرة. ترجع أصوله لقرية مليج بمحافظة المنوفية،  تميز بأدوار الشر التي أجادها بشكل بارع. تميز في أدوار رئيس العصابة الخفي، كما قدم أدوار الطبيب النفسي. ومثل أدوارا أمام عظماء السينما المصرية رجالا ونساء.


انضم محمود المليجي في بداية عقد الثلاثينيات من القرن العشرين وكان مغمورا في ذلك الوقت إلى فرقة الفنانة فاطمة رشدي، وبدأ حياته مع التمثيل من خلالها، حيث كان يؤدي الأدوار الصغيرة، مثل أدوار الخادم على سبيل المثال، وكان يتقاضى منها مرتبا قدره 4 جنيهات.


ولاقتناع الفنانة فاطمة رشدي بموهبته المميزة رشحته لبطولة فيلم سينمائي اسمه (الزواج على الطريقة الحديثة) بعد أن انتقل من الأدوار الصغيرة في مسرحيات الفرقة إلى أدوار الفتى الأول، إلا أن فشل الفيلم جعله يترك الفرقة وينضم إلى فرقة رمسيس الشهيرة، حيث عمل فيها ابتداء في وظيفة ملقن براتب قدره 9 جنيهات مصرية.

المسيرة الفنية

البدايات المسرحية

وفي إحدى عروض فرقة المدرسة المسرحية، كان من بين الحاضرين الفنانة «فاطمة رشدي»، والتي أرسلت تهنئ المليجي  بعد انتهاء العرض  على أدائه الجيد لدور «ميكلوبين» في مسرحية «الذهب»، ودعته لزيارتها في مسرحها حيث عرضت عليه العمل في فرقتها بمرتب قدره أربعة جنيهات شهريا. عندها ترك المليجي المدرسة لأنه لم يستطع التوفيق بينها وبين عمله في المسرح الذي كان يسيطر على كل وجدانه. فقدم مع «فاطمة رشدي» مسرحية (667 زيتون) الكوميدية.. كما مثل دور «زياد» في مسرحية (مجنون ليلى).. وكان أول ظهور له في السينما في فيلم (الزواج  1932) الذي أنتجته وأخرجته فاطمة رشدي، وقام هو بدور الفتى الأول أمامها. وبعد أن حلت فرقة فاطمة رشدي، عمل المليجي كملقن في فرقة يوسف وهبي المسرحية.

الانتقال إلى السينما

دخل محمود المليجي عالم السينما عام 1932 من خلال فيلم "أولاد الذوات" للمخرج محمد كريم. لكن انطلاقته الحقيقية في السينما المصرية كانت مع فيلم "العزيمة" عام 1939 للمخرج كمال سليم، والذي يعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية.

ومع بداية الأربعينيات، بدأ المليجي في تقديم أدوار الشر التي اشتهر بها، ونجح في تجسيد شخصية الشرير بطريقة مختلفة عن السائد في ذلك الوقت. لم يكتف بتقديم الشر المطلق، بل قدم شخصيات مركبة لها أبعاد إنسانية وأسباب منطقية وراء تصرفاتها، مما جعل أداءه أكثر عمقاً وتأثيراً. ثم اختاره المخرج «إبراهيم لاما» لأداء دور «ورد» غريم «قيس» في فيلم سينمائي من إخراجه في عام 1939.. كما أنه وقف، في عام 1936، أمام «أم كلثوم» في فيلمها الأول (وداد).. إلا أن دوره في فيلم (قيس وليلى) هو بداية أدوار الشر له، والتي استمرت في السينما قرابة الثلاثين عاما.. حيث قدم مع «فريد شوقي» ثنائيا فنيا ناجحا، كانت حصيلته أربعمائة فيلما. وكانت نقطة التحول في حياة «محمود المليجي» في عام 1970، وذلك عندما اختاره المخرج «يوسف شاهين» للقيام بدور «محمد أبو سويلم» في فيلم «الأرض».. فقد عمل فيما بعد في جميع أفلام يوسف شاهين، وهي: الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية.

أشهر الأعمال

أيقونة الشر في السينما المصرية

قدم محمود المليجي خلال مسيرته الفنية أكثر من 400 عمل سينمائي ومسرحي وتلفزيوني، واستطاع من خلالها أن يترك بصمة لا تنسى في ذاكرة المشاهدين. من أشهر أفلامه:

  1. عقبال البكاري (1949)حمدي يوسف (محمود المليجي) رسام فقير يقطن فوق السطوح، ويحب الراقصة تحية وهبي (تحية كاريوكا) ويحلم بالزواج بها،

  2. الناصر صلاح الدين (1963): جسد فيه شخصية "كونراد دي مونتفيرات" ملك فرنسا

  3. يسقط الاستعمار (1952): محمود المليجي: في دور حمدي (شقيق مجاهد).

  4. المتهم (1957): الدكتور فكري بهجت (محمود المليجي)، خبير الأدوية في الشركة

  5. الأرض (1970): محمد أبو سويلم - دفاعاً عن أرضهم ويلقوا الحديد في المياه، فترسل الحكومة قوات الهجانة

التعاون مع كبار المخرجين

تعاون محمود المليجي مع نخبة من كبار المخرجين في تاريخ السينما المصرية، مثل:

سمات الأداء التمثيلي

القدرة على تجسيد الشخصيات المركبة

تميز أداء محمود المليجي بالعمق والتركيب النفسي، فلم يكتف بتقديم الشرير النمطي، بل استطاع أن يجعل لكل شخصية يجسدها أبعاداً نفسية واجتماعية خاصة بها. كان يهتم بتفاصيل الشخصية ويدرسها جيداً قبل تجسيدها، مما جعل أداءه أكثر إقناعاً وتأثيراً.

الناقد السينمائي كمال رمزي يقول عن المليجي: "كان فناناً من طراز خاص، يستطيع أن ينقل المشاعر المركبة والمتناقضة للشخصية بسهولة ويسر، جاعلاً المشاهد يكره الشخصية ويتعاطف معها في آن واحد".

التعبير بالعينين والصوت

من أبرز سمات أداء محمود المليجي قدرته الفائقة على التعبير بعينيه ونبرات صوته. كانت نظراته تختزل الكثير من المشاعر والأحاسيس، وكان صوته القوي المميز أداة تعبيرية فعالة في أدائه.

وصفه المخرج الكبير يوسف شاهين بأنه "صاحب أجمل عينين في السينما المصرية"، وأضاف: "كان يستطيع أن يعبر بعينيه عما لا تستطيع الكلمات التعبير عنه".

الحياة الشخصية

عرف عن محمود المليجي أنه كان شخصاً هادئاً ومتواضعاً، بعيداً تماماً عن الشخصيات الشريرة التي جسدها على الشاشة. كان محباً للقراءة والموسيقى الكلاسيكية، وكان يقضي معظم وقته بين العمل والمنزل.

تزوج المليجي مرة واحدة، وأنجب ابنة واحدة هي الفنانة فيروز المليجي التي اتبعت خطى والدها في مجال التمثيل، وإن لم تحظ بنفس شهرته.

المكانة الفنية والتأثير

تأثيره في السينما المصرية

يعتبر محمود المليجي من أهم الممثلين في تاريخ السينما المصرية، فقد أسس مدرسة متفردة في تجسيد أدوار الشر، وأثر في العديد من الممثلين الذين أتوا بعده. لم يكن مجرد ممثل يؤدي دوراً، بل كان فناناً يبتكر ويضيف إلى الشخصية من خياله وموهبته.

يقول الناقد الفني طارق الشناوي: "لولا محمود المليجي لما كانت أدوار الشر في السينما المصرية بهذه القوة والعمق، فقد رفع قيمة هذه الأدوار وجعلها موازية في أهميتها لأدوار البطولة".

الجوائز والتكريمات

حصل محمود المليجي على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الفنية، منها:

  • جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم "الشيماء" عام 1972.
  • تكريم خاص من مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 1975.
  • وسام الفنون من الدرجة الأولى عام 1976.

الرحيل

رحل محمود المليجي عن عالمنا في 26 يوليو عام 1983 عن عمر يناهز 73 عاماً، بعد صراع مع المرض، تاركاً إرثاً فنياً ضخماً وبصمة لا تمحى في تاريخ السينما العربية.

لم يكن رحيله مجرد خسارة لعائلته وأصدقائه، بل كان خسارة كبيرة للفن المصري والعربي، فقد ترك فراغاً لم يستطع أحد ملأه بنفس القدر من العمق والتأثير.

إرثه الفني

بعد أكثر من أربعة عقود على رحيله، ما زالت أعمال محمود المليجي حاضرة في ذاكرة المشاهدين ويتم عرضها بشكل مستمر على شاشات التلفزيون. ما زال الجمهور يتذكر نظراته الثاقبة وصوته المميز وقدرته الفائقة على تجسيد الشخصيات المركبة.

أثر محمود المليجي في العديد من الممثلين الذين جاءوا بعده، وأصبح مرجعاً للكثيرين منهم في كيفية تجسيد أدوار الشر بعمق وإتقان. صنّفت مجلة الفن السابع المصرية محمود المليجي ضمن أفضل عشرة ممثلين في تاريخ السينما المصرية، وهو تصنيف يعكس مكانته الكبيرة وتأثيره العميق.

الخاتمة

محمود المليجي لم يكن مجرد ممثل أدى أدوار الشر ببراعة، بل كان فناناً بمعنى الكلمة، استطاع أن يثري السينما المصرية بأدائه المتقن وموهبته الفذة. جعل من الشخصيات الشريرة شخصيات إنسانية مركبة، لها أبعادها النفسية والاجتماعية، وليست مجرد نماذج نمطية للشر المطلق.

سيظل محمود المليجي أيقونة الشر المحبوبة في السينما المصرية، وستظل أعماله شاهدة على عصر ذهبي للفن المصري، استطاع فيه مجموعة من الفنانين المبدعين تقديم أعمال خالدة ما زالت تلهم الأجيال المتعاقبة من صناع السينما والمسرح.

المصادر

تم تحديث المقالة في: 8 مايو 2025

تعليقات

عدد التعليقات : 0